الرياضات الفردية

في ظل تواصل الكبوات, حـــان وقــت رحيـل المكتـب الـجـامـعــي للملاكمة

منذ ما يزيد عن عقد من الزمن أضاعت رياضة الملاكمة بوصلتها وفقدت كل هويتها وخصوصياتها التي جعلتها منذ أمد بعيد إحدى أهم الرياضات التي شرّفت تونس وأعلت رايتها في المحافل الدولية، لكن تغير كل شيء مع مرور السنوات، وتلقت هذه الرياضة «اللكمة» تلو الأخرى، فترنحت وسقطت وبدا وكأنها في طور الاندثار والانسحاب برمي المنديل.

ما يجعلنا نتحدث اليوم عن هذا الوضع المزري لاختصاص خلنا منذ عقود أنه من أفضل الاختصاصات التي تنجب الأبطال الموهوبين المؤهلين للتألق خارجيا في أقوى التظاهرات والبطولات العالمية، هو الواقع الأليم والمحزن التي آلت إليها رياضة الفن النبيل في بلادنا، ولكم أن تتخيلوا ولو للحظة واحدة أن لا أحد من ملاكمينا سيكون حاضرا في الموعد الأولمبي المقبل، فقط سيكون التمثيل التونسي في منافسات الملاكمة خلال دورة طوكيو حكرا على ملاكمتين نجحتا في الحصول على بطاقتي التأهل إثر دورة عرفت مشاركة متواضعة من قبل الملاكمات في القارة السمراء واللواتي مازلن يتحسسن طريق النجاح في هذا الاختصاص الأولمبي الذي يعتبر جديدا مقارنة بالملاكمة الرجالية.

كبوة تلو الأخرى

هو واقع أليم ووضع صعب للغاية، يجسد هذا الانهيار والانحدار المتواصل للملاكمة التونسية، وربما يصح القول أنه رغم تعاقب المكاتب الجامعية طيلة السنوات الماضية، لم يقدر المسؤولون على إصلاح الأخطاء وإعادة الهيبة لهذه الرياضة، وحتى القائمين على المكتب الجامعي الحالي لم يقدروا رغم طول فترة إقامتهم في دار الجامعات، فكل المؤشرات تؤكد فشل هذا المكتب في النهوض بمستوى الملاكمة التونسية وتحسين نتائجها وواقعها، كل الدلائل تؤكد غياب أي تحسن ملموس قد يوحي بأن الملاكمة في بلادنا قد تقدر قريبا على استعادة الريادة، بل كانت السنوات الأخيرة زمن الفترة النيابية للمكتب الجامعي الحالي تتويجا للكبوات والسقطات المتتالية، ويكفي التذكير في هذا السياق بالنتائج المتواضعة للغاية المحققة طيلة السنوات الأربع الأخيرة في مختلف التظاهرات الدولية.

الأكثر من ذلك أن كل الأساليب المتبعة من قبل المكتب الجامعي في سبيل النهوض بالملاكمة في الجهات الداخلية واكتشاف المواهب الجديدة كلها باءت بالفشل، بل إن المواهب اندثرت والملاكمون الواعدون لم يعد لديهم أي حضور، فقط عدد قليل من الملاكمين الذين لا ينتظر منهم الكثير مازالوا ينشطون صلب المنتخب التونسي الذي بات من أضعف المنتخبات الإفريقية والعربية، وتكفي المقارنة في هذا السياق ببعض المنتخبات العربية الأخرى على غرار المنتخب المغربي على سبيل المثال للتأكد من هذا التراجع المتواصل والسقوط المستمر لرياضة الفن النبيل في بلادنا.

الالتزام الأخلاقي

خلال الفترة الأخيرة حاول المكتب الجامعي رأب الصدع، وسعى إلى تخطي المشاكل والأزمات التي باتت العنوان الأول لواقع الملاكمة التونسية حيث وقعت دعوة مدربي الملاكمة لتدارس وضع الملاكمة خاصة بعد تعليق النشاط خلال الموسم الحالي والبحث عن التدابير اللازمة الكفيلة بإيجاد حلول لضمان العودة سريعا للنشاط، لكن تبقى كل هذه الخطوات منقوصة وربما لا معنى لها في ظل الفشل التام في إعداد خطة شاملة وبناءة تقدم الضمانات الكافية لتحسين هذا الواقع المتردي، فالحال لا يستقيم في ظل غياب مدير فني فعلي بعد رحيل منتصر القنوني، والحال لا يستقيم أيضا بعد تجميد نشاط المنتخب التونسي وعدم وجود مدرب محنك تكون لديه الكفاءة والقدرة الفعلية على التغيير.

أما التغيير الحقيقي فقد يكون أساسا مرتبطا بالمكتب الجامعي نفسه، ووقت الرحيل اقترب كثيرا بعد أن أثبتت السنوات الأخيرة أن المسؤولين الحاليين فشلوا في مهمتهم الأساسية ولم يقدروا على التقدم قيد أنملة..

ربما قد يستند هذا المكتب الجامعي برئاسة كمال دقيش إلى التوصيات الأخيرة لوزارة الشباب والرياضة بخصوص تأجيل النظر في عقد الجلسات الانتخابية التي ترتبط دائما بالدورات الأولمبية، ربما سيطيل هذا القرار في فترة إقامة المكتب الجامعي، لكن الالتزام الأخلاقي يدعو الجميع إلى التحلي بروح المسؤولية ولم لا اتخاذ قرارات حاسمة تصب في مصلحة الملاكمة التونسية، في هذا السياق من واجب المكتب الجامعي أن يقر بفشله ويقرر الانسحاب خاصة وأن المشاكل مازلت مزمنة والتصدعات التي أصابت بيت الملاكمة مستمرة، من الواجب الأخلاقي على المكتب الجامعي وكذلك الأندية المنضوية صلب الجامعة العمل منذ الآن على الإصلاح والنظر إلى المستقبل بأكثر جدية، فتواصل الوضع على ما هو عليه هو التهاون بعينه بل هو الإصرار على مواصلة الهروب نحو الهاوية.